الشعوب العربية تستجيب لنداء : أين صوت الشعب؟

“مجادلة الآخر” للمؤرخ “أبو القاسم سعد الله الجزائري”.
الشعوب العربية تستجيب لنداء : أين صوت الشعب؟
يعرّف المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله الجزائري، العولمة على أنها مجموعة قوانين و استثمار و إتْخام البلاد بالمستوردات و إلغاء الثوابت الوطنية، و يقول إن الديمقراطية ليست حكرا على جنس أو دين أو بلاد و إنما هي ممارسة صالحة إن احترموها، كما يصف أبو القاسم سعد الله منظمة التجارة العالمية و تبعاتها و تداعياتها على الإقتصاد الوطني بأنها عبارة عن أخطبوط، و أن الشعوب لم يؤخذ برأيها في مسألة الانظمام أو عدم الانظمام إلى المنظمة، كما يسلط سعد الله الضوء على الثقافة العربية و العولمة ، إذ يقول وجب على الثقافة العربية أن تواجه التحديات الكبرى لتكون في مستوى العصر القادم، أو تختفي عن الأنظار و تترك المجال لثقافات أخرى أولى منها بالحياة و البقاء، لأن البقاء للأقوى و الفضل للمبدع لا للمجترِّ، هكذا تقول قوانين الطبيعة.
“العولمة و الآخر و الهوية و التحرّر و الديمقراطية” كما جاء في المقدمة، هي من مصطلحات المرحلة التي تعيشها الشعوب و كانت من اهتمامات المثقف، يستعملها في كتاباته و يدلي فيها بنصيبه من المعرفة، وهذه المصطلحات وردت في مقالات كتبها المؤرخ الدكتور أبو القاسم سعد الله جمعها في كتاب بعنوان: “مجادلة الآخر” ، سلط فيها الضوء على قضايا شغلت بال الباحثين و المفكرين و الأمة العربية ، و من أبرز هذه المقالات نقرأ مقال يبحث فيه كاتبه عن صوت الشعب، و قد عنوانه بـ: أين صوت الشعب؟ رسم فيه لوحة للوضع الذي وصلت إليه البلاد العربية، و مأساتها ليس في الجزائر فحسب و إنما في كل الأقطار التي تتقاسمها اللغة و الدين و الثقافة و العادات و التقاليد، وجب أن يقول الشعب كلمته بحريّة و اقتناع لأنها تتعلق بمصيره، مصير الوطن الذي يعيش فيه و من أجله، و ليست آنية ذات تأثير محدود في الوقت و الإنسان، و هاهي الشعوب تستجيب لنداء أبي القاسم سعد الله، و ترفع صوتها عاليا عن طريق الحراك الشعبي و الانتفاضات لتغيير النظام.
و كعينة يقدم الدكتور سعد الله في هذه المقالة كيف غُيِّبَ الشعب الجزائري عن إشراكه في الإستشارة و الإستفتاء في قضايا مصيرية مثل المنظومة التربوية و منظمة التجارة العالمية و هو يردد شعار الديمقراطية التي تعني حكم الشعب الحاضر، و لا تعني التفويض المطلق بأن يحكم أحد باسمه في كل الأحوال و مهما طال الزمن، في وقت تُعرض قضايا الشعوب الغربية أمامها و في حضورها و إبداء رأيها بالموافقة أو عدمها لأنها رائدة و لأن مسؤوليها يحترمونها، لأنهم يحكمون باسمها و يعملون لمصلحتها، بينما الأنظمة العربية تقدم لشعوبها المشاريع و الأفكار جاهزة دون أن تطّلع على تفاصيلها، لأنها (أي الأنظمة) ترى في شعوبها كمستهلك لا غير، ثم يأتي المسؤول و يعلن بأن الأمر فُصل فيه و انتهى؛ و أصبح الشعب ملزما بالتطبيق.
عن الديمقراطية يتحدث ابو القاسم سعد الله عن استعمالها في لحظة سياسية واحدة و هي الانتخابات، كما نلاحظه الآن في الجزائر و هي لحظة تظهر الأمور غير الحقيقية ، خطابات مزيفة و مشاريع مغشوشة و أفكار مسروقة، و برامج واحدة ومفردات واحدة و الإخراج واحد، فإذا انتهى العرس و يعود الضيوف ( الشعب)، أي بمجرد الإعلان عن نتائج الانتخابات، تغيب الديمقراطية و يختفي اسمها و تعود الأمور إلى ما كانت عليه، إلى نقطة الصفر، بهذه الطريقة تضحك الأنظمة على شعوبها، و بكل أنواع الحيل، يحدث هذا في الجزائر و في هذه الفترة بالذات، كما يحدث في بقية البلاد العربية، و في مرحلة أطلقوا عليها عصر “العولمة” و مكافحة الإرهاب الإسلامي، و نسيت السلطة أنها الإرهاب نفسه، لأنها تخدّر الشعوب بافكار تسلطية دكتاتورية، بل فاقت حدود الإجرام.
يعرّف أبو القاسم سعد الله العولمة على أنها مجموعة قوانين و استثمار و إتْخام البلاد بالمستوردات و إلغاء الثوابت الوطنية، إذ يقول: يكفي الوقوف على شوارعنا و ساحاتنا و حافلاتنا و طرقاتنا و قطاراتنا و مساكننا ، و هل تعليمنا و مؤسساته و طلابه يتلقون ما يجعلهم يعيشون عصر العولمة دون خطر عليهم؟ سؤال طرحه ابو القاسم سعد الله، ثم يرد: فإذا كان الجواب بالنفي لماذا يخرجون علينا كل يوم في قُبح و كبرياء بأننا نعيش عصر العولمة و الحداثة؟ و إذا كان الجواب بالإثبات فهو هراءٌ هذيان، و يصف أبو القاسم سعد الله منظمة التجارة العالمية و تبعاتها و تداعياتها على الاقتصاد الوطني بأنها عبارة عن أخطبوط، كما أن السلطة ( الجزائرية) لم تستفتِ الشعب في الانظمام أو عدم الانظمام إلى المنظمة، فمصير الإصلاح يمس كل الشعب و يؤثر على كل الأجيال، فلا يصح أن يصاغ الإصلاح من اصحاب النزوات و الموتورين من أنصار العلمة و الحداثة وحدهم، ثم يفرض على الشعب دون أن يدلي برأيه في الموضوع.
أما مصطلح ” الجزأرة” كما يقول الدكتور ابو القاسم سعد الله في مقال له بعنوان: “تأصيل الهوية” بأنه مصطلح ظهر في الجزائر مع بداية الثمانينيات عندما بلغت الأمور حدها من العنف و التطرف، و قد استعمل المصطلح كتيار سياسي للدلالة على انطلاق الجزائر من تجربة علمائها و مفكريها إلى تجربة العلماء و المفكرين الأجانب، أما اليوم فالجزأرة تستعمل لإضفاء الطابع الثقافي في المدن الجزائرية، في غياب مؤسسات التوجيه المعنوي و التعبئة الفكرية و الثقافية، و كما يقول هو في نفس المقال: ” لا يعقل أن يحارب الجزائريون قرابة ثماني سنوات و يستشهد منهم مليون و نصف مليون، ثم يتقاعسون عن استكمال مظاهر الإستقلال و السيادة في إحياء الرموز التاريخية و الفكرية للوطن”.
و الحقيقة أن أفكار أبي القاسم سعد الله تحمل الروح الثورية المحبة لبلدها و الغيورة عليه، و لنقرأ ما يقوله في هذه المقالة: إن الزائر بلادنا يصدمه بقاء مظاهر الإحتلال في المدن الجزائرية، بما فيها العاصمة، و لا شك أن الزائر سيتساءل مع نفسه: هل عجز الجزائريون عن استكمال الشوط الأخير من استرجاع استقلالهم؟ هل فيهم أنصار العهد البائد الذين يحبون بقاء الطابع الأجنبي لبلادهم؟ و ربما يتحدث هنا عن الأحياء و الشوارع التي ما تزال تحمل أسماء الكولونياليين، و يضيف بالقول: كيف يعقل أن تغير الجزائر من نظامها السياسي و الإقتصادي و من مواثيقها و قوانينها ونظامها التربوي، من أجل مواجهة العولمة و التعايش مع الآخر؟ ثم لا تهتم بتغيير بيئتها و بنيتها الداخلية التي تعطيها حقيقتها بين الدول و الأمم و الجماعات؟ أم هم مجرد كتلة بشرية تأكل و تتناسل و تموت؟، و بلادهم مجرد منطقة جغرافية تستقبل الجيوش الغازية غادية و رائحة؟، و بأسلوب ثوري يرد و يقول: معاذ الله أن يكون الجزائري الحرّ من الصنف الذي يعيش و يتناسل و يموت، إن الجزائري “السلبي” فقط هو الذي لا يصنع التاريخ بل يُصْنَعُ به التاريخ.
ففي مقال آخر سلط فيه الضوء على الثقافة العربية في مجموع عناصرها من أدب و مسرح و رسم و موسيقى و علاقتها بالعولمة و ما تواجهه من تحديات كبيرة في مواجهة العصر القادم، أو تختفي عن الأنظار تاركة المجال للثقافات الأخرى أولى منها بالحياة ، لأن البقاء للأقوى و الفضل للمبدع لا للمجترّ، هكذا تقول قوانين الطبيعة، يقول أن مصطلح العولمة دخل أدبياتنا منذ عشرين سنة و لكنه لم يدخل كمصطلح ثقافي أو ادبي و فني، و إنما دخل كمصطلح إعلامي سياسي و استراتيجي و اقتصادي و هو بذلك سيطرة قطب واحد أو دولة واحدة على سير و مصير العالم كله بكل ما في هذا العالم من أمم و حضارات و ثقافات و تواريخ و لغات و أديان و مذاهب، و الإنسان الأمريكي يأخذ منة النرجسية بقدر ما يحتاجه منها في اللحظة، كما أنه ليس غيورا غيرة عقائدية على معتقداته و آثاره الأدبية لأنها عنده قابلة للتغيير و التغير و ليست ثابة ، فكل شيئ عنده يمكن النظر فيه إذا كان سيتحول إلى صفقة رابحة، لأن العمل في امريكا هو المقدس، الكل يعمل و الكل ينتج و لا توجد بطالة، حتى اللغة عند المواطن الأمريكي ليست مقدسة و هي قابلة للتطوير و التطويع، ليستخلص القول أن الأمم اليوم تعيش الهيمنة الأمريكية و ليس العولمة.
فهذا التوجه في الحياة الثقافية و التاريخية هو الذي أفسح المجال للعابثين و الجهلة من ابناء جلدتنا، الذين هم ضحايا لتاثيرات خارجية ـ فبدلا من أن يعاد الاعتبار لمن أهملهم الاستعمار، راح البعض يبصم باليمين على الصك الذي قدمته جهات مندسة أو محسوبة على البلاد تاركة مخلفات الاستعمار في الأحياء و الشوارع من اسماء و رموز استعمارية عاثت فسادا في البلاد، فكان من الأفضل أن يتقدم أسماء أبطال و شهداء جزائريين و عرب الذين دافعوا عن الجزائر و حضارتها، على الأسماء الكولونيالية التي تملأ شوارع الجزائر و مدنها، و هي التي تزخر بتاريخ ثوري وصل صداه المعمورة، فدولة الموحدين و المرابطين و بني زيان و دولة بني رستم و دولة بني حماد و غيرها وجب ان تأخذ مكانها في الشوارع و الساحات و كذلك بعض ملوك و أمراء تلك الدول، و لو كان على الجزائر أن تكرم غير ابنائها كان عليها أن تكرم جمال عبد الناصر الذي آثر الثورة الجزائرية و أعطاها في وقت الشدة من اسمه و اسم بلاده، و اسماء أخرى تفتخر بهم الجزائر في مختلف المجالات العلمية و المعرفية كعبد الرحمن الأخضري و ابن معطي الزواوي و أحمد الونشريسي و يحي ابن خلدون شقيق العلامة ابن خلدون و غيرهم.
علجية عيش